فصل: الركن الثاني: العاقد.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.الفصل الثالث: في المستحق للمحضون الفقير على أبيه المليء:

وذلك ما يأكله ويشربه ويفتقر إليه من غسل ومؤن. والمرجوع في تقدير ذلك إلى العوائد كما تقدم، والنظر إلى قدر يسر الأب وعسره. ويلزم إخدامه إذا كان يليق بمثله. وقيل: لا تلزم الخدمة.
وكذلك الخلاف في السكنى، والمشهور وجوبها للحاجة إليها. ورأى في الشاذ أنه فيها تبع. ويتفرع على المشهور نوعان:
الأول: هل تلزم أجرة جميع المنزل، أو ما ينوب الولد؟ في ذلك قولان.
الفرع الثاني:
وهو مرتب على الأول. إذا قلنا: الواجب ما ينوب الولد، فهل بقدر الانتفاع، أو على عدد الرؤوس؟، فيه قولان أيضاً. وتخرج على هذا الأصل فروع كثيرة كأجرة كاتب الوثيقة، وكانس المرحاض، وحارس الأندر، والتقويم على المعتقين، والأخذ بالشفعة، وزكاة العبد المشترك. وحصر ذلك إن كان ما وجب بحقوق مشتركة، فهل يكون استحقاقه أو الاستحقاق عليه بقدر الحقوق، أو على عدد الرؤوس؟ القولان.
السبب الثالث: للنفقة ملك اليمين:
وتجب على السيد نفقة الرقيق بقدر الكفاية على ما جرت به العادة. ولا يتعين ما يضرب على العبد من خراج، بل عليه بذل المجهود ولا يكلفه السيد إلا ما يطيق. فإن لم ينفق على عبده بيع عليه.
ويجب على رب الدواب علفها، أو رعيها إن كان في رعيها ما يقوم بها. فإن أجذبت الأرض تعين عليه علفها، فإن لم يعلف أخذ بأن يبيعها، أو يذبحها إن كانت مما يجوز أكلها، ولا يترك وتعذيبها بالجوع وغيره. ولا يجوز أن ينزف لبنها بحيث يضر بنتاجها. والله أعلم.
كمل كتاب الحضانة.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا وآله وسلم تسليماً.

.كتاب البيع:

.والنظر في حقيقته وأحكامه:

أما:

.حقيقته:

فقال الإمام أبو عبد الله: هو نقل الملك بعوض. قال: وهذا الرسم يشمل الصحيح والفاسد، إن قلنا: إنه ينقل الملك، فإن قلنا: إنه لا ينقله، لم يشمله من جهة المعنى، لكن العرب قد تكون التسمية عندهم حقيقة، لاعتقادهم أن الملك قد انتقل على حكمهم في الجاهلية، وإن كان لم ينتقل على حكم الإسلام.
وأما:

.أحكامه:

فالنظر فيها يتعلق بخمسة أقسام:
الأول: في صحته وفساده.
الثاني: في لزومه وجوازه.
الثالث: في حكمه قبل القبض وبعده.
الرابع: فيما يقتضيه مطلق ألفاظه في الثمار والأشجار، واستتباع الأصول، الفروع.
الخامس: في مداينات العبيد والتحالف.

.القسم الأول: في صحته وفساده:

وفيه خمسة أبواب:

.الباب الأول: في أركانه:

وهي ثلاثة:

.(الركن) الأول: ما ينعقد في البيع:

وهي صيغة الإيجاب والقبول، أو ما يشاركهما في الدلالة على الرضى الباطن من قول أو فعل قصد به ذلك.
فيكفي المعاطاة والاستيجاب والإيجاب، وهو قوله، يعني يدل قوله: اشتريت، كما في النكاح.
فرع:
فإن تنازعا وجود قصد الدلالة به عليه، فقد روى أشهب في العتبية فيمن قال لرجل: بعني سلعتك هذه، فيقول: نعم بكذا، فيقول: قد أخذتها، فيقول ربها: لم أرد بيعها، إنما أردت اختيار بيعها، أنه قال: أما من وقف سعلته بالسوق يتسوق بها فذلك يلزمه، وإن لم يفترقا، وأما الذي يعلم أنه لاعب لا يريد بيعها، فلا يلزمه.
وفي الكتاب من رواية ابن القاسم فيمن وقف بسلعته في السوق، فيقول له الرجل: بكم سلعتك هذه؟ فيقول: بمائة دينار فيقول: قد أخذتها، فيقول ربها: لا أبيعك وقد كان أوقفها للبيع إنه يحلف ما ساومه على إرادة البيع، وما مساومته إلا لأمر يذكره غير الإيجاب، ويكون القول قوله.
وإن لم يحلف لزمه البيع. قال ابن القاسم: وكذلك إذا قال: بعني سلعتك بكذا، فيقول: قد بعتك فيقول الراغب: لا أرضى.

.الركن الثاني: العاقد.

وشرطه: التمييز، فلا ينعقد بيع غير المميز لصغر أو جنون أو إغماء، وكذلك السكران إذا كان سكره متحققاً.
قال الشيخ أبو إسحاق: ويحلف بالله مع ذلك، ما عقل حين فعل، ثم لا يجوز عليه.
وقال ابن نافع: ينعقد بيع السكران. والجمهور على خلافه.
قال الإمام أبو عبد الله: وهو بسكره يقصر ميزه في معرفة المصالح عن السفيه، والسفيه لا يلزمه بيعه، وإن كان يقام الحد عليه كما يقام على السكران. ولا يشترط التكليف في الانعقاد، لكن يقف اللزوم عليه.
أما إسلام العاقد فلا يشترط في شراء غير العبد المسلم والمصحف. ويشترط في جواز الإقدام على شرائهما.
واختلف في اشتراطه في صحته. فروى ابن القاسم في الكتاب صحة شراء الذمي العبد المسلم والإجبار على بيعه، وإن لا ينفسخ. ثم قال: وكذا يجبر النصر على بيع المصحف، ولا يرد شراؤه على قول مالك في العبد المسلم.
قال الشيخ أبو محمد فيهما: وقال غيره: ينقض بيعه.
وقاله سحنون: وهو قول أكثر أصحاب مالك.
وحكى الإمام أبو عبد الله رواية الفسخ أيضاً، وعزاها إلى مختصر ما ليس في المختصر للشيخ أبي إسحاق، وإلى كتاب ابن حبيب.
فروع: إذا اشترى المسلم عبداً نصرانياً من نصراني، فأسلم في يد المسلم ثم اطلع على عيب فيه يقتضي الرد فهل له رده، أو يتعين الرجوع إلى الأرش؟ قولان لابن القاسم وأشهب.
وخرج الإمام أبو عبد الله هذا الخلاف على الخلاف في الرد بالعيب: هل هو نقض للبيع من أصله، أو هو كابتداء بيع؟
ثم إذا رده على قول ابن القاسم أجبر النصراني على إزالة ملكه عنه، وطولب ببيعه من مسلم، كما إذا كان إسلامه في يد النصراني، فإنه يجبر على إزالة ملكه عنه، ويطالب ببيعه من مسلم، فإن أزال أحدهما الملك بالعتق كفى. وكذلك إن تصدق به على مسلم، أو وهبه منه.
وحكى الإمام أبو عبد الله خلافاً بين المتأخرين في المرأة الذمية يسلم عبدها، فتهبه لولدها الصغير من زوجها المسلم: هل يكتفي بذلك منها أم لا؟ ثم بنى اختلافهم في ذلك على الخلاف في من ملك أن يملك هل يعد مالكاً أم لا؟
ولا يكفي الرهن بل يباع بعد الرهن ويعجل الدين، إلا أن يأتي برهن ثقة.
وقال سحنون: يعجل ثمنه للمرتهن، وإن أتى برهن آخر. قال أبو الحسن اللخمي: وقول ابن القاسم أحسن يعني الأول.
ثم حيث أمرناه بإزالة الملك، فمات قبل إزالته انتقل الحكم إلى الوارث، وأمر بإزالة ملكه عنه كموروثه، ولا يؤخر المأمور منهما إلا بحسب الإمكان.
قال الإمام أبو عبد الله: ويبقى النظر في أنه هل يجوز أن يبيعه على أن الخيار له أياماً أم لا؟. ثم قال: وهذا مما ينظر فيه.
ولو باع النصراني عبده النصراني على الخيار أياماً، فأسلم العبد، فإنه إن كان الخيار للمشتري وهو نصراني استعجل استعلام ما عنده من رد أو إمضاء ولم نمهله إلى تمام مدة الخيار، لئلا يدوم ملك الكافر على المسلم.
وإن كان المشتري مسلماً فظاهر الكتاب أنه يمهل إلى أن تمضي أيام الخيار.
ولو كان العبد نصرانياً والمشتري كذلك، فأسلم العبد والخيار للبائع وهو مسلم فهل يجوز للبائع المسلم إمضاء البيع للنصراني أم لا؟
قال الإمام أبو عبد الله: هذا قد يجري على القولين في بيع الخيار إذا أمضي هل يقدر أنه إنما عقد من حين إمضائه فيقتضي هذا منع المسلم البالغ من إمضاء البيع، أو يقدر البيع كأنه لم يزل ماضياً من حين العقد، فيكون لهذا إمضاؤه، ولا يكون كمبتدأ بيع مسلم من كافر إذا عقد البيع في حال يجوز فيه العقد. وزمن العقد هو المعتبر على هذا القول، لأنه من إمضاء الخيار.
هذا حكم شراء الذمي للعبد المسلم وما اتصل به. فأما شراؤه للعبد الذي ليس بمسلم، فيختلف حكمه باختلاف صوره، وهي ثلاث:
الأولى: أن يشتري بالغاً على دينه، فلا يمنع من شرائه إذا كان يسكن به بلد المسلمين،
ولا يباع لمن يخرج به عن بلاد المسلمين، لما يخشى من إطلاعه أهل الحرب على عورة المسلمين.
الصورة الثانية: أن يكون هذا العبد صغيراً، ففي الكتاب وغيره: منعه لما يرجى من إسلامه، وسرعة إجابته إذا دعي إلى الإسلام، لكونه لم يرسخ في نفسه الكفر، بخلاف الكبير.
قال في العتبية: فإن بيع منه فسخ البيع.
وقال محمد: لا يمنع من شرائه، لأنا لسنا على يقين من إسلامه إذا اشتراه مسلم.
الصورة الثالثة: أن يكون العبد بالغاً على غير دين مشتريه، وفيها مسألتان:
الأولى: أن يكونا كتابين، كيهودي يباع من نصراني، أو نصراني بياع من يهودي، فقال ابن وهب وسحنون بالمنع من شرائه له لما بينهما من العداوة والبغضاء فيكون إضراراً بالمملوك وإيجاداً للسبيل على أذيته.
وقال محمد: لا يمنع لأنه ليس المنع لحق الله سبحانه، بل لمحض حق العبد، إذ لو رضي بذلك لجاز، ويمكن تدارك حقه بالمنع من أذيته دون فسخ البيع.
المسألة الثانية: أن يكون العبد من المجوس أو الصقالبة أو السودان فأراد الكتابي شراءه،
فحكى الإمام أبو عبد الله في ذلك ثلاثة مذاهب.
الأول: الجواز مطلقاً قال: وهو ظاهر الكتاب إذ قال فيه: ما علمته حراماً، وغيره أحسن منه. قال: وأطلق الجواب في الصغير منهم والكبير.
الثاني: المنع مطلقاً في الصغير والكبير، وعزاه إلى ابن عبد الحكم.
الثالث: التفرقة بينهما، فيمنع في الصغير ويجوز في الكبير وأسنده إلى العتبية. ثم قال: وقال فيها: فإن اشترى الصغير فسخ البيع، قال: واشترط فيها في فسخ البيع أن لا يكون الصغير قد دان بدين.
ثم خرج الإمام الخلاف في منع بيعهم من النصارى واليهود على الخلاف في إجبارهم على الإسلام إذا سبيناهم، ثم حكى أن ظاهر المذهب على ثلاثة أقوال، يفرق في الثالث، فيجبر الصغير دون الكبير.

.الركن الثالث: المعقود عليه.

ويشترط فيه أن يكون طاهراً، منتفعاً به، مقدوراً على تسليمه، معلوماً، واختلف في اشتراط كونه مملوكاً للعاقد أو لمن عقد له.
الأول: الطهارة:
والمذهب أن الأعيان النجسة لا يصح بيعها، إلا أن في بعضها خلافاً يتبين بذكر آحاد الصور: فمنها العذرة والزبل، وقد روى ابن القاسم في الكتاب المنع من بيع العذرة، وخرج عليها بيع زبل الدواب، ورأى هو في نفسه أن لا بأس ببيع الزبل، فأخذ أبو الحسن اللخمي من قوله هذا أنه يرى جواز بيع العذرة.
وقال ابن الماجشون: لا بأس ببيع العذرة، لأن ذلك من منافع الناس.
وقال أشهب في الزبل: المشتري أعذر فيه من البائع يقول في اشترائه.
وقال ابن عبد الحكم: لم يعذر الله سبحانه أحداً منهما وهما سيان في الإثم.
ومنها الزيت النجس. فقال ابن حبيب: لا يباع الزيت النجس. قال: وعلى ذلك مالك وأصحابه إلا ابن وهب فإنه أجاز بيعه إذا بين. قال الإمام أبو عبد الله: وشرط غير ابن وهب أن لا يباع من مسلم.
واختلف في جواز الاستصباح به، فقال مالك: يجوز في غير المساجد للمتحفظ من نجاسته، ويعمل منه الصابون.
وقال عبد الملك: لا ينتفع به في شيء أصلاً، ولو طرحه في الكرياس يريد الانتفاع به لكرهته. ونحوه قال يحيى بن عمر.
واختلف أيضاً هل يطهر بالغسل أم لا؟. فروى ابن نافع أنه يطهر. وروى ابن القاسم في الواضحة والمستخرجة نحوه.
وروى أصبغ عن ابن القاسم فيمن فرغ عشر جرار سمن في زقاق ثم وجد في جرة منها فأرة يابسة، ولا يدري في أي الزقاق فرغها: إنه يحرم أكل جميع الزقاق، وبيعها. قال: الأستاذ أبو بكر: وظاهر هذا يقتضي أن لا يغسل. قال: فيصير في الغسل قولان، يعني لمالك وابن القاسم.
وعلى ذكره خلاف ابن القاسم لمالك مسألة وقعت في المستخرجة. وروى عيسى عن ابن القاسم في اللحم يطبخ في الماء النجس قال: يغسل اللحم ويؤكل.
وروى أشهب عن مالك: لا يؤكل.
ومنها: عظام الميتة. وفي الكتاب من رواية ابن القاسم: لا أرى أن تشتري عظام الميتة ولا تباع، ولا أنياب الفيل، ولا يتجر فيها، ولا يتمشط بأمشاطها، ولا يدهن بمداهنها، وعلل بنجاستها. فقال: وكيف يجعل الدهن في الميتة، ويمشط لحيته بعظام الميتة، وهي مبلولة؟. وأجاز مطرف وابن الماجشون بيع أنياب الفيل مطلقاً. وأجازه ابن وهب وأصبغ، إذا أغليت.
ومنها بيع جلود الميتة. وروى ابن القاسم في الكتاب أيضاً المنع من بيعه أو إن دبغت.
ورأى الإمام أبو عبد الله أن هذا القول هو مقتضى القول بأنها لا تطهر بالدباغ. قال: وأما إذا فرعنا على أنها تطهر بالدباغ طهارة كاملة فإنا نجيز بيعها لإباحة جملة منافعها. ولنقتصر على هذا القدر في هذا الشرط.
الشرط الثاني: أن يكون المبيع منتفعاً به:
فلا يصح بيع ما لا منفعة فيه، لأنه من أكل المال بالباطل، بل لا يصح تملكه.
وفي معناه ما كانت فيه منافع، إلا أنها كلها محرمة، إذ لا فرق بين المعدوم حساً والممنوع شرعاً.
فأما ما تنوعت منافعه إلى محلله ومحرمه، فإن كانت المنافع المقصودة من العين في أحد النوعين خاصة، كان الاعتبار بها الحكم تابعاً لها، فاعتبر نوعها وصار الآخر كالمعدوم. وإن توزعت في النوعين لم يصح البيع، لأن ما يقابل ما حرم منها من أكل المال بالباطل، وما سواه من بقية الثمن يصير مجهولاً. وهذا التعليل يطرد في كون المحرم منفعة واحدة مقصودة، كما يطرد في كون المنافع بأسرها محرمة. وهذا النوع وإن امتنع بيعه لما ذكرناه من الوجهين، فملكه صحيح لينتفع مالكه بما فيه من منفعة مباحة.
فرع:
لو تحقق وجود منفعة محرمة، ووقع الالتباس في كونها مقصودة، فمن الأصحاب من يقف في حكم جواز البيع، ومنهم من يكره ولا يمنع ولا يحرم. ويكفي من أمثلة هذا الأصل على اتساعها مسألة بيع كلب الصيد، فإذا بني الخلاف فيها على هذا الأصل، قيل: في الكلب من المنافع كذا وكذا، وعددت جملة منافعه، ثم نظر فيها. فمن رأى أن جملتها محرمة، منع ومن رأى جميعها محللة أجاز. ومن رآها متنوعة نظر: هل المقصود المحلل أو المحرم، ثم جعل الحكم للمقصود. ومن رأى أن منفعة واحدة منها محرمة وهي مقصودة منع أيضاً على ما تبين. ومن التبس عليه كونها مقصودة وقف أو كره كما تقدم.
ثم إذا تقرر اشتراط المنفعة فيكفي مجرد وجودها وإن قلت، ولا يشترط كثرة القيمة فيها ولا عزة الوجود، بل يصح بيع الماء والتراب والحجارة لتحقق المنفعة وإن كثر وجودها وقلت قيمتها.
ويجوز بيع لبن الآدميات، لأنه طاهر منتفع به. قال الشيخ أبو الطاهر: وأجاز الأصحاب بيع السباع لأخذ جلودها. ثم قال: وهو إما بناء على القول بالكراهة فيها فتطهر جلودها بالذكاة، إما لأن الدباغ يبيح استعمالها.
وقال ابن حبيب: بيع جلود السباع والصلاة عليها حرام.
الشرط الثالث: أن يكون مقدوراً على تسليمه:
فلا يصح بيع الطير في الهواء، والسمك في الماء، والأجنة والآبق والشارد والمغضوب، إلا أن يباع الآبق والشارد ممن قد وجدهما وحصلا تحت قبضته، والمغضوب من غاصبه ولم تبعد غيبة هذه عن مالكها، أو ثبت عنده بقاؤها على صفاتها، أو عرف ما انتقلت إليه، فيصح حينئذ بيعه لها.
ولا يجوز شراء الإبل المهملة في الرعي وإن رآها المبتاع، لأنه لا يدري متى تؤخذ وهي تستصعب. قال ابن القاسم: وأخذها خطر. وكذلك المهاري والفلا الصعاب بالبراءة، وهي كبيع الآبق.
وفي العتبية من رواية أصبغ عن ابن القاسم: أنه لا يجوز بيع الصعاب من الإبل وما لا يؤخذ إلا بالأوهاق ولا يعرف ما فيها من العيوب، وربما عطبت في أخذها.
قال ابن حبيب: بيعت بالبراءة أو بغير البراءة.
وفروع هذا الشرط كثيرة، إلا أن الضابط لها أن كل ما عجز عن تسليمه حساً فلا يصح بيعه، فأما ما عجز عن تسليمه شرعاً لحق آدمي، فيصح البيع فيه، لكن يقف اللزوم على اختيار من تعلق حقه به، كالمرهون فإنه يصبح بيعه، ويقف اللزوم فيه على إجازة المرتهن إذ الحق له.
فيكون اشتراطه في اللزوم لا في الصحة، إذ هي حاصلة بدونه.
وكذلك العبد الجاني إذا تعلق برقبته أرش الجناية ثم باعه سيده بعد علمه صح البيع أيضاً، ووقف اللزوم، فإن دفع الأرش لأهل الجناية لزم البيع إن كان أعلم المبتاع بجنايته، وإن أبي أن يغرم الأرش أحلف ما أراد حمل الجناية، فإن حلف فالخيار لأهل الجناية في إمضاء البيع وأخذ الثمن أو في فسخه وأخذ العبد لهم.
قال غير ابن القاسم: إلا أن يشاء المبتاع دفع الأرش إليهم فذلك له، ويرجع بالأقل من الأرش أو الثمن.
قال ابن القاسم: ولو فداه البائع فللمبتاع رده بهذا العيب إلا أن يكون بينه له البائع.
قال غيره: هذا في العمد، فأما الخطأ فلا، وهو كعيب ذهب.
فروع جرى ذكرها في الكتاب تناسب ما نحن فيه:
فمنها أنه أجاز بيع عمود عليه بناء للبائع. قال الإمام أبو عبد الله: والذي ذكره من جواز هذا يفتقر إلى شرطين:
أحدهما: أن يكون هذا البيع لا يتضمن إضاعة مال وفساده، مثل أن يكون البناء الذي على العمود كبيراً مقداره كثيراً ثمنه، بحيث يعلم أن هدمه وإفساده لأخذ ما يتعوضه في العمود من ثمن نزر لا يفعله إلا السفهاء ومن لا ميز له ولا يحسن تدبير المال.
والشرط الثاني: أن يكون يؤمن على العمود إذا قلع ونقل من مكانه من فساده وكسره، فإنه إذا لم يؤمن ذلك عليه صارت المعاوضة على ذلك غرراً، إذ لا يعلم المشتري هل يحصل له ذلك أم لا، وعلى أي صفة يحصل.
واعتبار هذا الشرط لإمكان التسليم حساً، واعتبار الشرط الأول يرجع إلى إمكان التسليم شرعاً لما فيه من إتلاف المال.
وأجاز أيضاً أن يشتري هواء فوق هواء، ويلزم الأسفل بالبناء ليتوصل صاحب الأعلى إلى بناء ملكه.
قال الإمام: ويحتاج إلى معرفة صفة هذا البناء في القوة والضعف لينتفي بذلك الغرر.
وأجاز أيضاً شراء غرر جذوع في حائط.
قال الإمام: وذلك ينقسم إلى ما تذكر فيه مدة فيكون حكمه حكم الإجارة فينفسخ العقد بانهدام الجدار، وإلى ما لا تعين فيه مدة. بل يجعل على التأبيد، فيكون كالمضمون، فإن انهدم الحائط لزمه أن يعيده، ليغرز صاحب الخشب خشبه فيه. كما أن على صاحب السفل إذا انهدم أن يبنيه ليحمل صاحب العلو عليه علوه، فبناء الحائط هو تمكينه من التسلم. وكذلك بناء الهواء الأسفل.
الشرط الرابع: أن يكون البيع معلوماً للمتعاقدين:
ثم يتعلق العلم بعين المبيع وقدره وصفته.
أما العين فالجهل بها مبطل، ونعني به: أنه، إذا قال: بعت منك عبداً من عبيدي أو شاة من هذا القطيع بطل.
وأما إذا قال: بعت منك صاعاً من هذه الصبرة، فإن البيع يصح إذ أجزأه الصبرة متساوية، وليس المقصود من الحبوب أعيان آحادها. ويستوي في ذلك كون الصبرة معلومة الصيعان أو مجهولتها.
وأما القدر، فالجهل به فيما في الذمة ثمناً كان أو مثموناً مبطل إذا جهل جملة وتفصيلاً كقوله: بعت بزنة هذه الصنجة وهي مجهولة الوزن.
وإن علمت جملة الثمن وجهل تفصيله، ففي الكتاب في صحة هذا البيع: قولان.
ومثاله أن يشتري عبدين لرجلين في صفقة واحدة بثمن واحد، ولم يعين ما لكل واحد منهما منه، فلا يصح في أشهر قولي ابن القاسم لجهالة الثمن المختص بعبد كل واحد منهما عنده.
ورأى في قوله الآخر، وهو قول أشهب وسحنون، صحة البيع فيهما لأن كل واحد منهما يحدس قدر ثمن سلعته، فلا يكون التفاوت إلا يسيراً مما لا يفسد البيع، بل يقع معفواً عنه.
أما إذا جهلت جملة الثمن وعلم تفصيله فلا يمنع ذلك صحة البيع كما لو قال: بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم، فإنه يصح وإن كانت مجهولة الصيعان، لأن تفصيل الثمن معلوم فينتفي الغرر عنه، وإن لم تعلم جملته.
وإذا تعين المعقود عليه لم يشترط فيه كيل ولا وزن، بل يكفي عيان صبرة الحنطة وسائر الحبوب، وكذلك كل ما المطلوب منه مبلغه وتتساوى الأغراض في آحاده.
قال الشيخ أبو الطاهر: وعلى هذا يجوز بيع المكيلات والموزونات جزافاً.
قال: وأما المعدودات فإن قلت أثمانها جاز بيعها جزافاً، وإن كثرت أثمانها واختلفت آحادها اختلاف بينا كالثياب والجواهر وما في معنى ذلك لم يجز بيعها جزافاً.
قال: لأنها إذا طلبت آحادها وجملتها كان الغرر فيها من وجهين، فيمنع البيع لكثرة الغرر، بخلاف ما إذا كان المطلوب الجملة دون الآحاد فإن الغرر من وجه واحد، فيكون قليلاً، فلا يمنع صحة البيع. قال: وأما العين فإن كان مكسوراً أو مصوعاً فهو بمنزلة العروض يرجع إلى الحصر قدمناه. وينظر هل المطلوب آحاده أو مبلغه.
وإن كان مسكوكاً فها هنا جل أهل المذهب يرون أنه إذا كان التعامل فيه بالوزن جاز بيعه جزافاً، لأن المطلوب مبلغه، وإن كان التعامل فيه بالعدد لم يجز بيعه جزافاً، لأن المطلوب حينئذ آحاده ومبلغه. قال: وحكى القاضي أبو الحسن الكراهية. قال: ولعل الغرر قل عنده لما تماثلت الآحاد.
قال: وانفرد أبو الوليد الباجي، فرأى أنه إن كان التعامل به بالعدد لم يجز الجزاف قولاً واحداً، وإن كان التعامل به وزناً جرى على القولين، وهما على الخلاف في الدنانير والدراهم هل تتعين أو إنما تتعلق بالذمة؟ فإن قلنا: إنها تتعين، جاز بيعها جزافاً، وإن قلنا: لا تتعين، وإنما تتعلق بالذمة، فلا يجوز بيع ما يتعلق بالذمة جزافاً.
فروع: إذا اشترى صبرة، وتحتها دكة تمنع من تخمين القدر، فإن تبايعا على ذلك لم يصح البيع للغرر، وإن اشترى فظهرت ثبت له الخيار.
ويستوي في صحة بيع المشتري جزافاً كونه ملقى بالأرض أو في ظروفه فيجوز شراء ما في الظروف جزافاً، وإن لم يعلم مبلغه إلا بالحدس.
قال محمد: ولا يجوز شراء ملء الظرف الفارغ، وإن عين ما يملأ منه أو وصفه فلا يجوز. شراء ملء الغرارة الفارغة من قمح أو غيره مشاهداً كان أو موصوفاً، أو ملء قارورة من زيت أو غيره مشاهداً كان أو موصوفاً، بل لو اشترى ما في الظرف ففرغه له لم يصح أن يشتري منه ملته دفعة أخرى، وإنما يصح أن يشتري منه ما في الظرف بعد أن يملأ. ووجه هذا أن المقصود تغير العقود.
فإذا كان الظرف مملوءاً صار البيع جزافاً مرئياً فالقصد العقد على مرئي يحدس مبلغه. وإذا كان الظرف فارغاً فالمبيع غير مرئي والقصد العقد على مكيل بمكيال غير معلوم النسبة من المكيال المعتاد.
واختلف الأصحاب إذا وقع التبايع بمكيال مجهول، هل يفسخ البيع أم لا؟. فقال أشهب: لا يفسخ، وقال غيره: يفسخ.
ويشترط في بيع الجزاف مساواة المتابعين في عدم العلم، بمقدار المبيع جزافاً، فإن انفرد البائع بعلم المقدار عن المشتري فإن كان ذلك بعلم المشتري فسد العقد لأنه خطار وإن كان بغير علمه، لكن ظهر له بعد التبايع أنه كان يعلم كيل الصبرة، وكتمه عنه، ثبت للمشتري الخيار في التزام البيع ورده.
وأما الصفة فلا تشترط معرفتها بالعيان، بل يقوم استقصاء الوصف مقامه على تفصيل نبيه، وهو أن العين الغائبة إن كانت بعيدة جداً كإفريقية من خراسان شوبه ذلك، لم يصح بيعها على الصفة بوجه لكثرة الخطر والغرر فيه، كذلك إن كانت قريبة جداً مع إمكان الاطلاع عليها من غير مشقة، ولا فائدة في بيعها على الصفة، فإن المعروف من المذهب أنه لا يجوز بيعها على الصفة، لأنه عدول عن المعاينة إلى الخبر من غير مقتض لذلك، فيلحق بالمخاطرة والتغرير. فإن كان في رؤيتها كلفة ومشقة جاز بيعها على المشهور من المذهب.
ونزل الأصحاب ما وقع في الكتاب من تجويز العقد بالسوق على سلعة في البيت على ما إذا كان في رؤيتها مشقة وكلفة. وأجازوا في المشهور أيضاً بيع ما كان على مسافة يوم، وبيع ما في الأعدال على البرنامج، وبيع الساج المدرج في جرابه لمشقة الحل والنشر.
وروي في كتاب محمد المنع من العقد بالسوق على سلعة في البيت.
وقال في مختصر ما ليس في المختصر: لا تباع سلعة حاضرة ولا غائبة على مسيرة يوم على الصفة، ولا على البرنامج.
وقال ابن حبيب: يجوز بيع الأعدال على البرنامج، ولا يجوز بيع الساج مدرجاً في جرابه. وفي المبسوط قال مالك في الساج المدرج في جرابه والثوب القبطي المدرج في طيه: لا يجوز بيعهما حتى ينشرا، وينظر إلى ما في أجوافهما، وقال: إن بيعهما من الغرر، وهو من الملامسة.
قال مالك: بيع الأعدال على البرنامج مخالف لبيع الساج في جرابه، والثوب في طيه، وما أشبه ذلك. فرق بين ذلك الأمر المعمول به، ومعرفة ذلك في صدور الناس، وما مضى من عمل الماضين فيه،وأنه لم يزل من بيوع الناس الجائزة بينهم التي لا يرون بها بأساً بيع الأعدال على البرنامج ولا ينشرونها، لأن ذلك لا يراد به الغرر، وليس يشبه الملامسة.
قال الشيخ أبو الطاهر: وسبب الخلاف النظر إلى أن اشتراط الرؤية في هذه المواضع المختلف فيها، هل فيه مشقة أم لا؟
قال: وهو خلاف في حال، فإن اقتضت ضرورة أو حاجة بيعه على الصفة جاز، وإلا لم يجز. هذا حكم طرفي البعد والقرب.
فأما ما قصر على البعيد وارتفع عن القريب فكان بين ذلك، فجائز بيعه على الصفة أو الرؤية المتقدمة.
ووقع في الكتاب ما يقتضي جواز العقد على السلعة الغائبة من غير رؤية ولا صفة، ولكنه اشترط خيار الرؤية. وذهب القاضيان أبو الحسن وأبو محمد إلى منع هذا العقد.
وأنكره أيضاً الشيخ أبو بكر، وقال: إنه خلاف الأصول.
فأما البيع على الصفة فتشترط في صحته شروط تتبين برسم فروع متتالية، وهي: حيث قلنا بجواز البيع على الصفة فيجب أن نذكر الصفات المقصودة التي تختلف الأغراض بسببها والأثمان باختلافها. إذ لا يرفع الغرر إلا ذكرها.
ثم إذا ذكرت ففي كتاب محمد والعتبية أن الشرط في الصفة أن يصف غير البائع لأنه قد لا يوثق بصفته إذ قد يقصد الزيادة في الصفة لينفق سلعته.
قال أبو الحسن اللخمي: ويكون المشتري ممن يعرف ما وصف له. ثم إذا وافق المبيع الصفة فلا خيار لأحدهما، فإن اختلفا في الصفة التي وقع العقد عليها فالقول قول المشتري، وإن اتفقا في الصفة واختلفا في كون المبيع عليها رجع في ذلك إلى أهل المعرفة.
ويصح بيع الأعمى وشراؤه لضرورة التعامل، ويعتمد على الصفة سواء طرأ عليه العمى أو ولد أعمى.
وقال أبو جعفر الأبهري: لا يصح بيع من ولد أعمى ولا شراؤه، لأنه لا يقف على حقائق المدرك بمجرد الوصف.
وأما البيع على رؤية متقدمة فيشترط في صحته أن لا تطول مدة الرؤية طولاً يتوقع فيه؟ تغير المبيع عادة.
فرع:
لو تبايعا على رؤية سابقة من مدة غير طويلة، ثم تنازعا في كون المبيع باقياً على الصورة المرئية، ففي الرجوع إلى قول البائع أو المبتاع قولان لابن القاسم وأشهب.
وخرج الشيخ أبو الطاهر خلافهما على الخلاف في تبعيض الدعوى.
ثم في معنى رؤية المبيع سابقة على عقد البيع أو مقارنة له رؤية بعضه إذا دل على الباقي لكونه من جنسه أو كان صواناً له خلقة كقشر الرمان والبيض وشبهه.
فروع: الأول: في ضمان الغائب.
والظاهر من المذهب أن ضمان المبيع الغائب من بائعه إلا أن يشترطه على المشتري.
وروي أنه من المشتري إذا أدركته الصفقة سالماًَ.
وروي أن الضمان من البائع إلا في الديار والعقار.
وقال ابن حبيب: الديار والعقار من المشتري، وما كان سوى ذلك قريب الغيبة يجوز اشتراط النقد فيه، فمصيبته من البائع. وما كان بعيد الغيبة لا يجوز النقد فيه، فمصيبته من المشتري.
الفرع الثاني:
وهو مرتب:
حيث قلنا: إن الضمان من المشتري، فتلفت السلعة فتنازعا في سلامتها حين العقد ففي تعيين المدعي منهما قولان لتعارض أصلي السلامة والضمان.
الفرع الثالث:
في النقد:
ويجوز النقد في بيع الغائب من غير شرط، فإذا كان بشرط فسد العقد، لأنه خطار، ويؤدي إلى أن يكون المنقود تارة سلفاً وتارة ثمناً، إلا فيما قربت غيبته من غير الحيوان للأمن من ذلك فيه غالباً، وكذلك في المأمون كالعقار ونحوه، وإن بعدت غيبته عند ابن القاسم.
وسوى أشهب بين العقار وغيره، فمنع النقد في ما بعدت غيبته من جميع ذلك، وأما ما قربت غيبته من الحيوان فقيل: يجوز النقد فيه كغيره مما قربت غيبته، وقيل: لا يجوز ذلك فيه لسرعة تغيره بخلاف غيره.
فرع:
حيث اعتبرنا: قرب المادة وبعدها، فاختلف في تحديد القرب فيها على خمسة أقوال:
اليوم – واليومان – ونصف اليوم – والبريد – والبريدان.
الشرط الخامس: وهو المختلف في حكمه. كون المبيع مملوكاً للعاقد أو لمن عقد له.
ومقتضى ما حكاه الشيخ أبو إسحاق أنه من شروط الصحة أيضاً كالتي تقدمت عليه، إذ حكى رواية بأن من باع ملك الغير من غير إذن لم يصح بيعه، وإن أجازه المالك.
وأما على المشهور من المذهب أن البيع يصح ويقف اللزوم على إجازة المالك، فهو شرط في اللزوم والانبرام لا في الصحة والانعقاد.
فرع:
إذا باع الغاصب المغصوب فلم يجز المالك، لكن باعه من الغاصب، لم يكن للغاصب نقض البيع الذي باعه أولاً لأنه كمن عمل في إمضاء ما عقد فليس له أن يتسبب في نقضه، بخلاف المودع يتعدى على الوديعة فيبيعها ثم يرثها، فإن له نقض البيع إذ لا تسبب له في الميراث.

.الباب الثاني: في الفساد بجهة الربا:

قال رسول الله: «الذهب بالذهب مثلاً بمثل، والفضة بالفضة مثلاً بمثل، والثمر بالثمر مثلاً بمثل، والبر بالبر مثلاً بمثل، والملح بالملح مثلاً بمثل، والشعير بالشعير مثلاً بمثل، فمن زاد أو ازداد فقد أربى. بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يداً بيد، وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يداً بيد، وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يداً بيد».
ومقتضى هذا الحديث أن من باع شيئاً من هذه الأعيان الستة بجنسه، فليرع المماثلة فيه بالمعيار الشرعي أو العادي إن لم يكن، والحلول أعني ضد النسيئة، والتقابض، فلا يتأخر القبض عن العقد، ولا يقبل في ذلك حوالة ولا حمالة ولا نظرة، بل لو طال بينهما المجلس من غير قبض لبطل لقوله صلى الله عليه وسلم: إلا هاء وهاء، يداً بيد. فإن باعه بغير جنسه سقطت رعاية المماثلة في القدر.
ثم في معنى الأعيان المنصوص عليها ما شاركها في المقتضى لحكمها. وقد اتفق أهل المذهب على اتحاد المقتضى في النقدين دون تحقيقه، واختلفوا في اتحاده في الأعيان الأربعة وفي تعيينه على ما سنبينه إن شاء الله تعالى.
وقد اشتمل الحديث على بيان جنسي الربا، أعني:

.ربا النسيئة وربا التفاضل في الأعيان الستة:

واندرج تحتها ما في معناها. ولنفرد كل جنس بالكلام عليه.
أما:

.الجنس الأول: وهو ربا النساء:

فعلة تحريمه ووجوب التقابض الطعم، فتطلب المناجزة في كل ما ينطلق عليه اسم طعام، ربوياً كان أو غير ربوي. ويدخل في ذلك رطب الفواكه والخضر والبقول.
وإذا تقرر تعلق الحكم بالطعام لم يعم سائر ما يتطعم غذاء كان أو دواء، بل يخص منه الغذاء دون الدواء. وقد انقسم ما يتطعم بالإضافة إلى هذا الحكم إلى ثلاثة أقسام:
أحدها: ما اتفق على أنه طعام يجري فيه هذا الحكم كالذي ذكرناه من الفواكه والخضر والبقول والزرارع التي تؤكل غذاء، أو يعتصر منها ما يتغدى به من الزيت كحب القرطم وزريعة الفجل الحمراء، وما أشبه ذلك.
والثاني: ما اتفق على أنه ليس بغذاء، بل هو دواء وذلك كالصبر والزعفران والشاهترج وما يشبهها.
والثالث: ما اختلف فيه للاختلاف في أحواله وعادات الناس فيه، فمنه الطلع والبلح الصغير، ومنه التوابل كالفلفل والكزبرة، وما في معناهما من الكمونين والرازيانج والأنيسون، ففي إلحاق كل واحد منهما بالطعام قولان، سببهما ما تقدم ذكره.
ومنها الحلبة، وفي إلحاقها بالطعام ثلاثة أقوال، يفرق في الثالث فتلتحق به الخضراء دون اليابسة.
ورأى بعض المتأخرين هذا التفصيل تفسيراً، وأن المذهب على قول واحد في إلحاق الخضراء بالطعام واليابسة بالدواء.
ومنها الماء العذب، قيل بإلحاقه بالطعام لما كان مما يتطعم وبه قوام الأجسام والحاجة إليه أشد من الحاجة إلى القوت. وقيل بمنع إلحاقه به، لأنه مشروب وليس بمطعوم.
وأما:

.الجنس الثاني: وهو ربا الفضل:

فالكلام عليه يتنوع إلى الكلام:

.في النقدين وفي الأطعمة:

.النوع الأول: في بيان حكم الربا في النقدين:

وهو: باب الصرف. والعلة في تحريم الربا في النقدين الثمينة.
وهل المعتبر في ذلك كونهما ثمينين في كل الأمصار، أو جلها وفي كل الأعمار، فتكون العلة بحسب ذلك قاصرة عليهما، أو المعتبر تطلق الثمينة، فتكون متعدية إلى غيرهما؟ في ذلك خلاف ينبني عليه الخلاف في جريان الربا في الفلوس إذا بيع بعضها ببعض أو بذهب أو بورق.
ويعم جميع أنواع بيع النقد بالنقد طلب المناجزة ويخص بيع الصنف بعضه ببعض طلب المساواة والمماثلة.
ولهذا انحصر مقصودنا من هذا الباب في ثلاثة أركان:
الأول: في تحصيل المناجزة وذكر ما ينافيها.
والثاني: في تحصيل المماثلة وما تصح به والاحتراز من فسادها.
والثالث: النظر في خواص كل واحد من المبادلة والمراطلة وما يتعلق بذلك من أحكام الاقتضاء.

.الركن الأول: في أحكام المناجزة:

وتنحصر في ثلاثة فصول:

.(الفصل)الأول: فيما يجري مجرى المقدمات:

وينحصر في ثلاثة مسائل:
الأولى: حكم المواعدة. وفيه ثلاثة أقوال: المنع والجواز والكراهة. فالمنع لأصبغ في كتاب أبي زيد. قال: ويفسخ إن وقع، وقاسه على المواعدة في العدة.
والجواز لابن نافع في السليمانية قال: وما سمعت أن أحداً كرهه، وقطع الإلحاق بأن المنع ثم خشية إتمام العقد وهو المطلوب ها هنا.
والكراهة لمالك وابن القاسم. وهو قول من أجاز، وراعى الخلاف.
وحكى أبو محمد عبد الحق أن الكراهة للنهي عن اختلاف الوعد، فكأنها لهذا تشبه العقد، وأما التعريض فلا يمتنع.
المسألة الثانية: الخيار.
وفيه قولان: المشهور منعه. وحكى القاضي أبو الوليد وغيره جوازه.
وحكى الشيخ أبو إسحاق في زاهيه روايتين، وهما على الخلاف في حقيقة بيع الخيار، وهل ملك مستثنيه حل العقد فيكون عقداً متراخياً، أو ملك إبرامه فيكون منحلاً؟.
المسألة الثالثة: الوكالة على الصرف.
وهي جائزة إن تولى الوكيل العقد والقبض، وأما إن تولى أحدهما خاصة. فأما القبض فإن غاب الموكل حين القبض فسد الصرف، وإن كان بحضرة الموكل صح. وقد روي المنع مطلقاً. وحمله القاضي أبو الوليد على إطلاقه وجعل المذهب على قولين في اشتراط قبض الموكل بنفسه في صحة الصرف.
وأما العقد فحكم الوكيل فيه حكم الموكل في المسألة الأولى.

.الفصل الثاني: فيما يجري مجرى الصورة:

وله حالتان: حالة كمال، وحالة إجزاء.
فحالة الكمال أن يبرز النقدين ويتناجزا سريعاً. وحالة الإجزاء أن يكون النقدان أو أحدهما في كم المصرف أو تابوته الحاضر ويتناجزا.
فإن كان النقدان أو أحدهما غائباً يؤتى به من موضعه بطل الإجزاء. واختلف في ست مسائل:
الأولى: صرف ما في الذمة.
فالمشهور صحته إن كان حالاً. وحكى المتأخرون عن أشهب الإبطال، وأحالوه على المولدات.
ولو تصارفا على ما في ذمة كل واحد منهما وقد حلا، جرى على القولين أيضاً.
وإن كان مؤجلاً فالمشهور منعه، وأجازه القاضي أبو إسحاق. قال بعض المتأخرين: وهذا هو الأقيس.
وإنما قدر في المشهور أن المعجل مسلف، فإن حل الأجل قبض من نفسه،
وهو بناء على تقدير الممنوع كوجوده. قال: وعلى هذا الأصل بناء كثير من بيوعات الآجال.
الثانية: الصرف على الذمة.
ومثاله: أن يعقد صرفاً ثم يتسلف ما عقد عليه، ولا شك في منعه إن طال. وإن قرب، فإن تسلفا جميعاً منع، وإن تسلف أحدهما فقولان، صحح ابن القاسم، وأبطل أشهب قياساً على تسلفهما، وفرق للتصحيح بأنه مبني على علم أحد المتبايعين بالفساد وفيه قولان.
فإذا عقد على ما ليس عندهما، فقد علما فيبطل، وباتهام المتسلف أن يظهر ذلك ليبطل العقد فصحح نقضاً لغرضه، وبأنه متى كان التسلف منهما طال، بخلاف ما إذا كان من أحدهما.
ويخرج على هذه التعاليل أن علمهما بتسلف أحدهما يبطل على التعليل الأول قولاً واحداً، وأن المتسلف إذا علم أنه محق أن لا شيء معه بطل على التعليل الثاني، وأنهما لو تسلفا معاً وكان كقدر تسلف أحدهما لصح على مقتضى التعليل الثالث. وكذلك هو عند ابن القاسم، وهو رأي أبي الحسن اللخمي.
الثالثة: صرف المغصوب. وله ثلاث صور:
الأولى: أن يكون مصوغاً قائم العين. فالمنصوص أنه لا يجوز صرفه حتى يحضر.
والصورة الثانية: أن يكون مصوغاً غير قائم العين. فإن ذهبت عينه جملة فقد ضمن، وهل تضمن قيمته أو وزنه؟ قولان.
التفريع: إن قلنا بضمان القيمة صرفت قيمته، وهذا هو المشهور.
وإن قلنا بضمان الوزن صرف وزنه، وكان في القيمة أو في الوزن صرف ما في الذمة.
وإن لم تذهب عينه حتى يكون لصاحبه الخيار في الأخذ أو التضمين، فيجري صرف القيمة على الخلاف في من خير بين شيئين فاختار أحدهما، هل يعد منتقلاً من كل واحد منهما إلى الآخر فلا يجوز صرف أحدهما، أو يعد كأنه لم يستحق غير ما اختار، فيجوز له صرف القيمة، وإن أراد صرف العين فيجري على ما قدمناه إذا كانت العين قائمة.
الصورة الثالثة: المسكوك، والمنصوص جواز صرفه. قال القاضي أبو الوليد: وهذا مبني على أن الدنانير والدراهم لا تتعين في الغصب.
قال: وقد ذكر القاضي أبو الحسن أن هذه رواية عن مالك. قال الشيخ أبو الطاهر: وإشارته إلى أن من غصب مسكوكاً فطلب ربه أخذ عينه، فأراد الغاصب أن يعطيه غيره، قال: وهذا إن كان بينهما فرق في الحل والتحريم أو الشبهة، فلصاحبه أخذ العين بلا خلاف، وإن لم يكن بينهما فرق فقولان، والمشهور أن له أخذ عين شيئه.
قال: فيقال: كأن على هذا يكون المشهور منع صرف المغصوب، وإنما رأى أن ربه إذا رضي بالصرف، والأصل التعلق بالذمة، إذ لا يعرف المسكوك بعينه، فأشبه صرف ما في الذمة.
المسألة الرابعة: صرف المرهون.
فإن كان مصوغاً ففيه قولان: المنع حتى يحضر، والجواز نظراً إلى إمكان التعلق بالذمة.
وإن كان مسكوكاً فأجيز في رواية محمد، ومنعه ابن القاسم، والجواز لإحدى علتين حصول المناجزة بالقبول، والالتفات إلى إمكان التعلق بالذمة، فأشبه المغصوب إذ هو على الضمان إن لم تقم بينة بتلفه، وقولان إن قامت. والمنع نظراً إلى الحال، وهو على ملك ربه، وإنما يقبضه لنفسه عند حضوره فأشبه صرف الغائب.
الخامسة: صرف الوديعة. وفي الكتاب: المنع منه.
وروى أشهب الجواز في المسكوك منها، واختلف في تعليله على طريقين: أحدهما أنه مبني على أن يعتقد المودع التسلف ثم يصارف، قاله القاضي أبو الوليد.
قال: ويجب على هذا أن لا يجوز في الحلي قولاً واحداً.
والطريق الثاني النظر إلى حصول المناجزة بكمال القول والشيء تحت يده، فعلى هذا يجري الخلاف في المصوغ. وقد ظهر تعليل المنع مما قدمناه في المرهون.
فرعان: أحدهما: العارية، وحكمها حكم الرهن. قاله القاضي أبو الوليد.
قال بعض المتأخرين: وهو ظاهر.
الثاني: المستأجر، حكمه حكم الوديعة.
المسألة السادسة: الصرف على التصديق في الوزن أو الصفة أو فيهما. والمشهور: أنه لا يجوز، وأجازه أشهب.
والخلاف في ذلك مبني على الخلاف في مراعاة الطوارئ. فمن راعاها لا سيما وهي قريبة هنا منع، ومن لم يراعها ونظر إلى أن القول قول الدافع في الوزن والعدد أجاز.

.الفصل الثالث: فيما يجري مجرى الطوارئ:

وهو ثلاثة أقسام:
مفارقة، ووجود نقص، واستحقاق.